ما تَفيض به أيَّامي



أكتب هذه التدوينة صباحاً ،أجلس قُرب نافذة غرفتي و كُلَّما هبت نسمات الهواء العليلة لتلامس وجهي أغمض عينيّ، آخذ نفساً عميقاً، و أبتسم :') 
أبتسم لمثل هذه النِّعمة في مثل هذا الجو الحار، أبتسم لأني أرى لُطف الله فيّ حتى في مثل هذه اللحظات و الأشياء الصغيرة . أبتسم لأن قلبي لا يتوقف عن الامتنان في كل لحظة من لحظات حياتي أنْ وَهَبَنا الله هذا الكون بأوسعه و تفاصيله و محتواه .

في شهر حزيران من كل عام تعود بي الذاكرة لأعوامي الماضية التي عشت ، يمر شريط هذه الأعوام أمامي بسرعة، و أحياناً أودّ لو أستطيع إيقافه في فترة محددة رغم معرفتي بأني لا أستطيع و لن أستطيع، و بأن من سُنة الحياة أنها تمضي بِحُلوِها ،بِمُرّها و بكل ما فيها.

بعد غد أكون قد أتممت عامي العشرين و أردت أن أكتب خلال الفترة الماضية عن كل ما عشته و تذكّرته .. كتبتُ عني منذ كنت طفلة في العاشرة من عمري و ما بعد هذا العمر إلى أن وصلت عمري الثامن عشر و توقفت عن الكتابة .
قررت عدم نشر ما كتبت لعدة أسباب منها أنني لا أريد اختزال كل عام في بضعة أسطر لا تُعطيه حقه، و لا يصل للقارىء سوى أشياء قليلة من تجارب و مشاعر كثيرة، و أنا لا أريد أن يُخَيّل لأحد أنني عشت أعواماً سيئة جداً فقط أو أنني عشت أعواماً ورديّة فقط . و في الحقيقة حياتي الماضية كانت خليطاً ما بين أشياء جيدة و أخرى سيئة - كما حياة الجميع - فلكُلٍّ منا حياته التي فيها انتصاراته و خساراته
و لو أني أريد إعطاء ما أكتب حقه لما أَسْعفَني الوقت و لا أسعفتني الكلمات و لا حتى أسعفتني الذاكرة
بالنهاية هذه العشرون ليست مجرّد رقم و لا حتى مجرّد كلمة، هذه العشرون حياتي.

عندما كنت أكتب عن الأعوام و أعدّها واحداً تلوَ الآخر استوقفتني ذِكرى عزيزة عليّ،
تذكّرتني فتاة في السابعة عشرة من عُمرها تواجه أول تحدي حقيقي لها بالحياة (التوجيهي) -  كما كانت تقول لها صديقتها-
أتذكّرني أبكي في غرفة إحدى المعلمات لسببٍ ما ثم فجأة أنظر إلى باب الغرفة يُفتح و إذ بمجموعة من الفتيات اللواتي كُنّ في صفي يدخلن لتقوم كل واحدة منهن باحتضاني،
إحداهن كانت صديقة مُقرّبة مِني تحتضنني و تبكي معي، و كأنها تقول:" إن لم أستطع مساعدتك أحزن معك" تلك اللحظة كانت من أصدق اللحظات التي عِشت، و كلما تذكرتها دَمَعت عيناي لأن مثل هذه اللحظات الصادقة، هذه اللحظات المليئة بالمحبة و مشاعر كثيرة تعني لي الكثير.

في بعض الأحيان تؤلمني ذكرياتي أكثر من ما تُبهجني، و في الواقع أنا أسيرة الماضي حتى هذه اللحظة،غير أني أفكر في المستقبل (المجهول) كثيراً أيضاً . و هذا يعني بالطبع أنني لا أعيش اللحظة . أحاول التصالح مع الماضي و الحاضر أكثر و أدركت حديثاً أن هذا الأمر سيأخذ مني وقتاً ..طويلاً ربما :')

الصورة للفنانة: نرمين :)
 
رغم كل شيء لا أستطيع إنكار امتناني للكثير، فأنا ممتنة لكل ما جعل مني نسرين الآن .. ممتنة لله أن جعل لي الإسلام ديناً، و جعل لنا في القرآن ما هو شفاء . ممتنة لكل المآسي و لكل الآلام و إن كنت لم أتصالح معها إلى الآن فأنا أدرك رغم كل شيء أنها علّمتني الكثير و شكّلت جزءًا مني ، ممتنة لكل الإنجازات الصغيرة، و لكل شيءٍ و كل شخص تعاملت معه و تعاملَ معي. 

في الواقع.. تَفيض أيامي بالكثير من نِعَم الله . فهنا صديقة ألتقي بها بعد غياب و نصنع الجمال معاً ،و هنا كتاب أقرأه يُضيف لي معاني حياتية شتّى، و هنا قطة تجلس أمام باب المنزل تنتظر أن نضع لها طعاماً فيَكتُب لنا الله أجر إطعامها .

و الكثير الذي لا يَسَعني ذكره هنا الآن ...لذا قررت أن أكتب في مدونتي دائماً الكثير من ما أراه نعمة في حياتي علّها تذكرني إن نسيت و تُذكّر من نسي بأن الله معنا و ألطافه و نِعمه دوماً حولنا❤️



على إحدى رفوف مكتبتي هنالك صندوقاً من أيام الثانوية أضع فيه الأوراق الصغيرة و الرسائل العديدة التي حصلت عليها في ذلك الوقت، يسّر الله لي قبل أيام أن أُخرِج هذا الصندوق من مكانه و أقرأ بعض الأشياء التي فيه، كان مما قرأته و لامَسني رسالة إحدى الصديقات يوم تخرجي من المدرسة، حيث كتبت:
" عزيزتي نسرين ،
نهاية مرحلة من حياتك تنتهي توًّا .. مرحلة تلو مرحلة.. و ما الحياة إلا رحلة لوجهة واحدة ! 
أذكرك ..بأن الحياة واسعة لو قررنا النظر لها على ذلك، و أنها أرحَب بِقَدر رحابة نفسك و سِعة صدرك، و أنها أسعَد بقدرتنا على فقه أنفسنا و عَلِم عنه إلهنا . 
أذكرك .. بأن كل المصائب تَهون مقابل مصيبة في الدين، و بأن الابتلاءات بحسن تعاملنا معها تَطيب . 
أذكرك ..بأن الخيل الأصيل إذا شارفت نهاية المضمار بذلت قصارى جهدها. 
و بأنك برحمة من الله ما دام النَّفَس يخرج و يدخل 
و بأن الله أرحَم بك منكِ "

جاءت هذه الرسالة في موعدها تماماً و عدت لقراءتها في موعدها تماماً أيضاً! 
سبحان الله الذي جعل لنا في بواطن المِحَن مِنَحاً كثيرة
سبحان الذي هو أرحمَ بنا من أنفسنا، سبحان الذي رحمته تجلّت في كل شيء و وسعت كل شيء . 
هو الله .. ليس كمثله شيء ❤️

" اللهم إني أسألك حُبَّك، و حُبَّ من يُحِبك، و العمل الذي يُبَلِّغُني حُبك"❤️



تعليقات

  1. أدام الله ابتسامتكِ، وأدام أسباب السعادة عليكِ، وحفكِ بنعمه، وأكرمكِ برضاه
    اللهم ارزقنا حبك وحب من يحبك💕

    ردحذف
    الردود
    1. آمين، و إياكِ يا رب🌻🌿
      شكراً نوار على دعواتك الدائمة، و اهتمامك بقراءة ما أدوّن :')!
      أسعَد بكِ دومًا 💛

      حذف
  2. لا تحكيلي انو أنا الي كاتبة هاد الحكي !! :o
    عام جديد لطيف نسرين :") ، صرنا نفس العمر :p

    ردحذف
    الردود
    1. إنت اللي كتبتيه :')
      شكراً تسنيم❤️
      عم بحاول أستوعب عمري😂

      حذف
    2. وأنا بقرأ فيه توقعت تكون تسنيمو بشبه أسلوبها😁
      ربي يخليكم لبعض💕💕

      حذف
    3. سبحان الله!
      كل واحد إلو أسلوب ببين للي بيعرفوه😁
      ❤️

      حذف
  3. عندي اكتر من شي منك
    وببتسم وبكيّف بس اقرأهم
    بحبك❤️

    ردحذف
    الردود
    1. و أنا بكيف لما حد يحكيلي هيك :')
      شكراً ❤️
      و أنا كمان بحبك و أفتقدك في أيامي :')

      حذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة