الطريق و ما فيه



( Up & Down .. up , down,...) 
كلمتان تكررتا كثيرًا على مسامعي في أيام مضت حيث كنت صديقة الخيل لأعوام في طفولتي ، حتى أنه يُعد الحيوان الوحيد الذي لا أخاف لمسه بل بالعكس أحبه جدًا ،كنت أستمتع في كل مرة أزور فيها مكان الفروسية و التدريب و غالبًا كان عمي من يأخذني و أخي و باقي أطفال العائلة ، لا زلت أتذكر في بداية التدريب هاتين الكلمتين اللتان بقي يرددهما المدرب لكي تكون حركتي متناغمة مع حركة الحصان و لكي أتعلم التوازن، و ما إن شردت قليلًا كدت أقع !
قصتي مع الخيل انتهت للأسف (في عمر ال 14) و في فترة كنت سأبدأ فيها بالقفز من على الحواجز، و كنت أشعر بالحماس لأن المدرب كان يقول لي أنني سأكون ماهرة في ذلك. 

في إحدى مرات التدريب جرحت أصبع يدي بشيء ما كان على طرف سرج الحصان، في البداية لم أهتم للجرح لكن بعد وقت قصير بدأت أشعر بالألم و لأنني أستخدم كلتا يديّ أثناء قيادتي للحصان كان الأمر يصعب عليّ... لم أعبّر عن ألمي حينها و استمريت بالقيادة لكن لون الدم الذي غطّى أصبعي كشف الأمر و أعتقد بأن وجهي كان شاحبًا حينها 😛 فكان لا بد من الاستراحة و تضميد الجرح. 



أفكر بكل هذا قبل أيام و أقول بأني لو افترضت ساحة التدريب هي طريقي في الحياة، الحواجز موجودة و عليّ بذل بعض الجهد كي أتمكن من تجاوزها... و يحتاج مني السير بتوازن في هذا الطريق أن أقع و أنهض و هذا طبيعي طالما أنني لا زلت أسير و لم أتوقف.
هل نستطيع أن نقول أنه حتى في الحياة هناك ما يسمى بقاعدة Up and down لحياة أكثر قبولًا و سويّة و توازنًا؟
سأتألّم نعم و سأحتاج أن أستريح و لا ينبغي تجاهل ذلك - لئلّا يسوء الجرح 😛 - لكن عليّ أن أتعلّم كيف تكون الاستراحة و متى أحتاجها حقيقةً لا استسلامًا. 

مهما بدا الطريق طويلًا و شاقًا سينتهي في يوم - مثلما توقفت عن التدريب فجأة - سينتهي حقًا و كل ما سيبقى منه المحطات التي استزدت منها خيرًا لدنياي و آخرتي. 

عندما أتعرض لأيام أكون فيها أكثر مقارنة لحياتي  مع حياة الآخرين، و اجترار أفكار من مثل :"ضاعت عليّ فرص كثيرة لأنه كذا و كذا..." أذكر نفسي بعبارة قرأتها مرة : ليس هناك فرص ضائعة، ما فاتك لم يكن لك ...و يذكرني هذا بحديث: ما أصابك لم يكن ليخطئك و ما أخطأك لم يكن ليصيبك. 

ربما لم أتعرض لأن آخذ قرارًا كبيرًا في حياتي عدا قرار التخصص الجامعيّ، ربّما أخطأت في اختياري و ربّما أصبت لا أعلم، لكن ما أعلمه أن الله اختار لي هذه المحطّة في طريقي و عليّ بذل ما في وسعي لاغتنام ما فيها و تقديم ما أستطيع لها. اختياراتي الأخرى كانت لأمور بسيطة جدًا لكنني أعيشها و أملأ بها أيامي و طريق حياتي رغم اختلافي عن من حولي و شعوري بالوَحشة أحيانًا و بالأنس بالله و بنفسي و بعض الأصدقاء في أحيان أخرى . 

أنظر لطريقي من زاوية بعيدة لأرى الصورة الكبيرة ، ما حققت و ما آمل، دون رسم تفاصيله لأن ذلك ليس بيدي، لكنني أحاول أن أضع تصوّرًا عامًا لما فيه، أنظر له و أسأل نفسي: هل هذا طريق أحبه و يسعدني ؟ ثم أتأمل لوهلة و أقوم بتعديل السؤال: هل هذا طريق يُحبه الله و يقبله؟ 
طالما أنه كذلك فأنا سأجاهد نفسي و هَواي لأحبه و أقبله بكل ما فيه من ألم و غُربة ، من أملٍ و أُنس . و أعلم بأن في ذلك سيكون سَعدي و هَنَاي. 


تعليقات

  1. تصفين الأمر كما أحب.. ما أصابك لم يكن ليخطئك.. هل هذا طريق يحبه الله ويقبله؟
    الأُنس بالله، الأُنس بنفسي، الأُنس بالآخرين.. لم أتخيل يوماً معنى الأُنس بالنفس.. ذكرتني به أسعدك الله..

    كلماتك متناغمة دافئة، جزاك الله خيراً نسرين

    ردحذف
    الردود
    1. أسعدتِ قلبي بقراءتك و تعليقك اللطيف حنين❤️
      شكرًا ❤️

      حذف
  2. قصة جميلة، وأهم ما فيها أن اﻹنسان يرضى، بل ويحمد الله على ما اختاره له

    ردحذف
    الردود
    1. الحمدلله دائمًا :)
      شكرًا لقراءتك و تعليقك.

      حذف
  3. ااااه من الخيل ومن عشقي للخيل ..كم اتمنى لو امتطي حصاناً بنياً ذات يوم وأطييير.
    تعبيرك شو لطيف يانسرينة ... وأهم شي انو فعلاً مابفوتنا شي ماكان لنا بالأساس

    ردحذف
    الردود
    1. رييييم!❤️
      أنرتِ بتعليقك مدوّنتي😍😁
      شكرًا لقراءتك و لطفك الدائم🌸

      حذف
  4. نسرينة أودُّ شكرك على تدوينتك المليئة بالتفاؤل ، حيثُ دفعتني لكتابة تدوينتي حتى النهاية ، كوني بخير 🧡

    ردحذف
    الردود
    1. أسعد كلما علِمت أن كلماتي البسيطة تركت أثرًا جميلًا ،و أسعد أكثر كلما أخبرتني أنتِ بذلك يا أسماء ، بتعليقك أو في مدوّنتك :)
      شكرًا جدًا جدًا 🌸🌻🌿

      حذف
    2. العفو يا صديقتي ، أكتبي لنا كثيرًا😘

      حذف
    3. إن شاء الله :)
      أُقدّر هذا الدعم جدًا 🌼

      حذف
  5. جميل صديقتي

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة